لقمان الحكيم

لو سألت من هو أعظم فيلسوف في العالم؟ لأجاب الكثير أنه الإغريقي سقراط معلم أفلاطون ومن بعده أرسطو مرورا بفلاسفة العصر الحديث مثل ديكارت و نيتشه و طاغور ، أو إن كانت هناك من لديه بعض التعصب للعرب والمسلمين لقال لك الفارابي أو ربما الغزالي أو حتى ابن رشد ، وربما عدد أسماء أخرى ، ولكن القليل حتما سيذكر لقمان ، لأننا اعتدنا أن لقمان مجرد شخصية قرآنية ولم نحاول أن نربطها بفكرنا المعاصر ، وأنه هو أعظم فيلسوف عرفته البشرية ، وكيف لا وله سورة باسمه تتلى في القرآن الكريم وتصفه بالحكمة ، وأنا لم أنظر اليه كفيلسوف الا عندما عرفت المعنى الحقيقي للفلسفة فهي في لغة الإغريق تعني محبة الحكمة ، ولكننا أيضا لم أعرف عنه سوى أنه عبد حبشي و سمعت القليل من حكمه ، لذلك أود أن ألقي الضوء على بعض الجوانب الأخرى عنه.

أولا اسمه لقمان وقد ذكر الكثيرين أن معنى لقمان هو الرجل الكثير اللقم والأكل ، ولكن ذلك لا يتفق مع رجل محب للحكمة ولكنه أكول ، لذلك لابد من معنى آخر لكلمة لقمان ، فهو إما لأنه كان يلتقم الحكمة التقاما ، أو أن كلمة لقمان جاءت من اللقم وهو وسط الطريق(1) فجاء معنى لقمان من كثرة المشي فيه أو أنه منهج الطريق(2)، ومن المتوارد عن صفته أنه كان حبشيا عظيم الشفتين والمنخرين وأفطس الأنف ، ولكنى لم أجد ما يثبت صحتها ، لذلك سأكون محايدا في صفاته هذه. ثانيا كان للقمان ابن يتعلم منه وربما لينقل عنه فيما بعد ، ففي أول موعظة للقمان مع ابنه يأمره بعدم الشرك وتوحيد الله (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، وهي قضية هامة ومن الواضح أنها من أهم القضايا في ذلك الزمان ، وبعدها نجد لقمان يسترسل في حديثه عن الأخلاق والتأمل في قدرة الله للوصول الى الحقائق ، وم العجيب أن هذا الفيلسوف أنه لم يلقى حظه من التكريم عندنا ، مع أن الله كرمه أيما إكرام وأنزل سورة باسمه ولكن نحن بمنئ عن ذلك ، إلا إذا كان هناك اشارة الى أمر آخر.

عزيزي القارئ لو أهملنا الجانب الزمني لشخصية لقمان فهو غير محدد بالنسبة لنا ، وأعدنا صياغة النقاط السابقة لشخصية أخرى تتناسب معها ، لوجدت أن هناك تطابقا شديدا بين شخصية لقمان وسقراط ، فسقراط هو معلم أفلاطون الذي كان ملاصقا له وأخذ الكثير من علمه وكأنه بمنزلة ابنه فهو الوحيد الذي نقل لنا من أفكار سقراط ، وأرسطو هو تلميذ أفلاطون وهو صاحب فلسفة المشائين(3) والتي ربما تعلمها من فكر المعلم الأول ، ولكن أهم قضية ناقشها سقراط في حياته هي التوحيد وذلك ما أودى بحياته فيما بعد ، فالمجتمعالإغريقي كان وثنيا متعدد الآلهة وكان سقراط معارضا لهذا الفكر ومؤمنا بالاله الواحد. ومن التشابهات ألأخرى هي اهتمام كلا من سقراط ولقمان بعلم الأخلاق ، فكل حكمهم ومواعظهم كانت تصب في هذا الجانب. والغريب أن اسم سقراط على وزن لقمان ، وعندما بحثت عن سقراط فوجئت بصورة تقريبية تشبه الى حد كبير صفات لقمان!

ربما أكون مخطئا ، ولكن شخصية عظيمة مثل لقمان لابد أن لها اسهاماتها في الحياة حتى لو كنا نجهلها ، وبالمناسبة لقد وجدت أنني لست الوحيد من وصل لهذا الاستنتاج فهناك آخرون.



(1)* القاموس المحيط
(2)* مقاييس اللغة
(3)*اتجاه فلسفى سار أصحابه على فلسفة أرسطو وعرفوا باسم المشائيين، وسمى مشائيا لأن أرسطو كان يعلم تلاميذه ماشيا

آمين

التقيت صدفة بأحد المسيحين العرب في مدينة لندن وطلب أن يحدثني عن المسيحية ، فوافقت قائلاً في نفسي ربما هي فرصة لي أيضا لأحدثه عن الاسلام ، وما أن فرغ من كلامه حتى قررت أن أشرح له كيف أن ألأديان السماوية مترابطة ولا تنفك عن بعضها البعض ، وهممت بأن أذكر له أن اسم مكة وردفي إنجيل الملك جايمس بلفظ وادي بكة وببعض من صفاتها كالصفا والمروة وببئر زمزم والحجيج كما في جاء في قوله تعالى(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ) ، ولكننى عدلت لأني توقعت أنه سوف يجادلني في معناها وقد ينفر مني ، خاصة وأن هناك من ينكرأنها بكة بل ويقول جدلا أنها بكا من البكاء مع أن ألأسماء لا تعرَّب! لذلك قررت أمرا آخرا.

قلت له لو أنك ولدت في جزيرة وليس هناك من يدلك على أي دين فهل ستؤمن بالله؟ فقال نعم ، فقلت بأي تعاليم ستعبده؟ فلم يجب ، قلت فذاك دين أبينا ابراهيم عرف الله بعقله وبدون وسيط وهذا هو ما نعنيه بالاسلام ، ولكن كل ما جاء بعده من أديان فهى نفس العقيدة ولكن بتعاليم وتشريعات خاصة لكل نبي في زمنه ، فلو أنني ولدت قبل 4000سنة لكنت يهوديا ، ولو ولدت قبل 2000 سنة لكنت مسيحيا ، ولكني ولدت في هذا الزمان لذلك أنا مسلم ، فترابط هذه ألأديان لأنها سماوية كما قال النجاشي أن القرآن والإنجيل "ليخرج من مشكاة واحدة".

لم يبدو أنه اقتنع بكلامي عن ترابط ألأديان السماوية ، لذلك طلب أن يدعو لي علانية بالهداية والخلاص لأرى طريق الحق ، فقلت لا بأس ، فدعى بما دعى حتى انتهى ثم ختم كلامه بقوله"آمين" ، فقلت حسبك ، هل تعرف معنى هذه الكلمة؟ فأجاب نعم هي بمعنى اللهم استجب ، فقلت هل تعلم أننا نستخدم هذه الكلمة في دعائنا ، بل وتصنف في لغتنا بأنها اسم فعل أمر مع أنها ليست عربية ولاعبرية ، فقال من أين هي إذن؟ قلت له لا أدري ، ولكنها دليل على أن ألأديان السماوية مصدرها واحد وهذه واحدة من ألأدلة.

في الحقيقة أنا لم أكذب عندما أخبرته أني لا أعرف من أين جاءت كلمة"آمين" ، فهناك من يقول أنها كلمة سريانية ، ولكن كان عندي قناعة بما جاء في الحديث الصحيح (إذا أمن القارئ فأمنوا ، فإن الملائكة تؤمن ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) ، وما أظن أن الملائكة تؤمن الا بلغتها ، لذلك آمين هي من لغة الملائكة والله أعلم.

قوم عاد


قال تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)) وإرم هي مدينة قوم عاد ذات ألأعمدة ، وثمود هي مدائن صالح التى بنيت في الجبال ، والأوتاد هي أهرام الفراعنة وسميت بالوتد لأنها كالجبل* في هيكلها ، والملاحظ أن القرآن الكريم ذكر قوم عاد وألأحقاف ونبي الله هود عدة مرات ، ولكن ليس لهم نصيب في كتب التأريخ والجغرافيا لنعرف عن هؤلاء القوم ، ولكن هناك عدة أبحاث ودراسات أوضحت أن ألأحقاف هي في الربع الخالي بالقرب من عمان أو أنها هي المدينة المفقودة "عبار" والتي وجدت قرب اليمن ، لكن كل ألأقوام السابقة التي ورد ذكرها في القرآن مثل ثمود والفراعنة وقوم لوط ، نجد من آثارهم ما يدل على هلاكهم ، ولكن قوم عاد لم نرى شيئا من عذابهم مع القرآن وصف عذابهم وصفا دقيقا ، ومما زاد الطين بلة ما ينشره البعض عن هذا الموضوع كل مروج لأفكاره (وربما أنا منهم) ، فمثلا هناك من يقول أنهم قوم عاشوا قبل الفراعنة في بلاد مصر وأن الفراعنة هم من استولو على حضارتهم ، ولكننى في طرح فكرتي عن قوم عاد ساستند فقط على ما جاء في القرآن الكريم.

في البداية لابد أن نعرف أن قوم عاد هم قوم وثنيين ومتعددي ألآلهة ، ولو نظرنا الى ألآلهة من زمن قوم نوح حتى كفار قريش لوجدنا أنها هي نفسها في قوله تعالى(وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)) ، وكأنها تنسخ نفسها في كل زمان ، فيغوث مثلاً (باعتبار أن الغيث هو المطر) يناظرهزيوس اله السماء والرعد من آلهة الإغريق ، وهو نفسه جوبيتر إله الرومان ، وقياساً على ذلك فربما كان ود هو اله الحبكيوبيد ، وسواع هي هيرا آلهة النساء والزواج ، ويعوق هو إله الحرب آريس ابن زيوس ، ونسر هو اله يشبه النسر مثل أبناء آريس – ربما هذا هو السبب أن ود وسواع ويغوث سبقت ب (لا) في ألآية السابقة ، أما ويعوق ونسر فقد إعطفت مباشرة على يغوث لأنهم من نسله ، اذن يمكننا افتراض أن هذه الآلهة هي نفسها آلهة قوم عاد.

وفي قوله تعالى (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) ) يصف حال قوم عاد ، فهم ينحتون التماثيل (آية) في كل طريق للعبث والمجون ، ويبنون المصانع وهي كما قيل إما الحصون أو القصور أو أحواض المياه ، ومن أخلاقهم أيضا أنهم ليسوا من ذوي الرحمة والشفقة ، فهم ذوي بطش اذا ما عاقبوا ، وفوق ذلك كله فقد كانت بلادهم بلاد جنات وأنهار.

وفي قوله تعالى (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)) يصف هلاكهم بالريح القوية التى استمرت سبع ليال وثمانية أيام حتى أنهم أصبحوا كجذوع النخل الفارغة ! ومن هنا أبدأ طرح فكرتى.

لندع التأريخ والجغرافيا جانبا ونحن نتأمل قوله تعالى (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) ، فهو لم يقل رأيت بل ترى وهو فعل مضارع ويعنى أنك لو نظرت اليهم ألآن فستراهم مثل جذوع النخل الفارغة ، ولو ألقيت نظرة على الصورة التى بأسفل الموضوع لوجدت أنها ينطبق عليها هذا الوصف ،


فهذا ليس تمثالاً ، ولكنه طفل غطاه الرماد البركاني ومات وتحلل جسده عبر السنين وأصبح كالجص أو الفخار فارغاً من الداخل ، وهذا ما حدث ذلك مدينة بومبي في ايطاليا عندما انفجر بركان فيزوف وأخذت الريح تحمل الرماد البركاني الملتهب وتقذفه على سكان المدينة ، وما هي الا أيام حتى أصبح الجميع على شاكلة هذا الطفل ،


والصورة التالية هي لمعبد جوبيتر (زيوس بالاغريقي و يغوث بالعربي) وترى حوله ألأعمدة التى تشتهر بها المدينة كسائر مدن الرومان ،

 
والصورة التالية هي لأحد التماثيل التى اشتهرت بها المدينة كعلامات في طرقاتها ،


وأما حمامات المياه الرومانية في بومبي فقد كانت تبنى على أعلى مستوى وربما هي المصانع التى ذكرتها ألآيات ،





وأما عن قسوة تعامل سكان بومبي مع بعضهم وبالأخص عبيدهم (شأنهم كشأن سائر الرومان فما بنوا الكلوسيوم الا للتعذيب) فالكتاب التالي يتحدث عن هذا الموضوع باسهاب ،



ومما يذكر الكتاب هذا المقطع الذي يصف جانبا من تعامل أهل بومبي مع العبيد ،

If a rich landowner wanted a small farmer's land, he didn't have to bother making an offer that no one could refuse. He'd just have some of his more robust clients ride up to the farm, kill all the slaves, and toss the now former owner out on his ear. As long as only slaves were killed and their owner was just beat up, this remained a civil - not criminal - matter.

وأخيرا وليس آخرا ، فما قمت بذكره من ليس أكثر من اسقاطات قد أصيب فيها وقد أخطئ ، ولكن لا بأس من النقاش والبحث حتى نصل للحقيقة.

أصحاب الكهف

من اللطائف الجميلة في قصة أصحاب الكهف قوله تعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) ، فهل هي ثلاثمائة فقط أم ثلاثمائة وتسعة ؟ والاجابة هي أنها الاثنان فالثلاثمائة سنة ميلادية (شمسية) تعادل ثلاثمائة وتسعة سنة هجرية (قمرية) ، لأن عدد أيام السنة الشمسية 365.33 وعدد أيام السنة القمرية 354 وبعملية حسابية بسيطة نجد أن كليهما صحيح!

ومن اللطائف ألأخرى ما انطبع في أذهان البعض أن أصحاب الكهف قد شاخوا بعد هذا النوم الطويل مع أن ألآية تقول (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، أي أنهم لم يظهر عليهم من أعراض كبر السن في هيئتهم بل كانوا كمن نام يوماً أو أقل.

لكن ما استدعي تفكيري قوله تعالى (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) ، فكثير من التفاسير ترجح أن الله سبحانه وتعالى ألقى بالرعب في قلب كل من ينظر اليهم ليحفظهم من ألأذى ، ولكن لابد من سبب للرعب!

أولاً لنعرف كيف نام أصحاب الكهف كل هذه المدة بدون غذاء أو فراش يتوسدونه ليحمى عظامهم ومفاصلهم في كهف يفتقد كل هذه المقومات ، فهم لم يكونوا جاهزين للمبيت ولو ليوم واحد ، ومن تسائلهم بين بعضهم أنهم ناموا يوماً أو بعض يوم-أي ما يقارب أربعاً وعشرين ساعة ، وعندما استيقظوا كانوا يشعرون ببعض الجوع والتعب كمن نام يوماً كاملاً. إذن هم ناموا 309 سنة (106900 يوماً) وقاموا وهم يشعرون أنهم ناموا يوماً واحداً ، والله تعالى يخبرنا أنه نوم فقط وليس موتاً ، أي أنهم استطاعوا العيش والنوم كل هذه الفترة فقط بغذاء أمسهم وبلا فراش يحميهم! ولتفسير ذلك نحتاج للتعرف إلى معدل ضربات القلب ، فهي ليست فقط مقياس لصحة الإنسان بل هي ترتبط بعملية النمو ، فنجدها ترتفع عند ألأطفال الرضع الى 140 ضربة وتنخفض عند البالغين وكبار السن الى 74-78 ضربة ، وكل نبضة هي إيذان بتدفق الدم من القلب عبر الشرايين وألأوردة إلى خلايا الجسد لتغذيه وتساعده على النمو. وهذا يفسر حقيقة نوم أصحاب الكهف ، فتباطؤ نموهم طوال هذه الفترة واكتفائهم فقط بغذاء كان بسبب تباطؤ في ضربات قلبهم ، ولكن الانخفاض كان شديداً الى الحد الذي يبقيهم أحياء فقط ، وكأنه تباطؤ في الزمن ، فلو حسبنا ضربات القلب خلال اليوم الواحد (74 خلال الدقيقة – 4440 خلال الساعة – 106560 خلال اليوم) وهي تتباطأ لتغطي فترة ال (106900 يوماً)، لوجدنا أنها تصل الى حوالي ضربة واحدة كل يوم!

ضربة واحدة في اليوم كانت تكفي ليظل أهل الكهف أحياء ، ولكن كيف يمكن أن تنخفض ضربات القلب من 74 في الدقيقة الى واحدة في اليوم؟ من خلال النوم العادي تنخفض الضربات بنسبة8% فقط ، وبافتراض أنه لا يوجد نمو يذكر ولا أي مجهود حركي أو استهلاك للطاقة الحرارية (فالشمس كانت تحافظ على حرارة أجسادهم وتعقمها عند فترتي الشروق والغروب) فستنخفض دقات القلب الى درجة أقل ، ولكن ليس الى درجة ضربة واحدة في اليوم إلا إذا كانوا نائمين فوق وسادة هوائية أو في منطقة عديمة الجاذبية!

لم أجد سبباً للرعب أقوى من أن ترى جماعةً من الناس معلقين في الهواء ، يتقلبون يمنةً ويسرى وكأنهم أحياء ، وقد ثبت علمياً أنه عند انعدام الجاذبية ألأرضية تصغر عضلة القلب ومن ثم يقل معدل ضرباته ، وهناك دراسة توضح أن عضلة القلب لرواد الفضاء تصبح أصغر في الفضاء الخارجي ، وربما أيضا ذلك يوضح لماذا لم تؤلمهم عظامهم ومفاصلهم من جراء هذا النوم الطويل.

أختم بفائدة مما سبق ، وهي أن انخفاض ضربات القلب فيالظروف الطبيعية يقلل من استهلاك الجسد للخلايا ويقي الانسان من أعراض الشيخوخة ، فقد لاحظت أن أصحاب الهموم يشيخون بسرعة لأن التوتر يزيد من ضربات القلب والله أعلم.

بين يدي الخضر

من التفاسير الرائعة لقصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام في سورة الكهف ، هو ما يربط بين أحداث القصص الثلاث (السفينة والغلام والجدار) وما مر على سيدنا موسى من أحداث في حياته ، وكيف أنه لم ينتبه لهذا التشابه قبل أن يسأل ويتسائل ، فالسفينة ما كانت لتغرق بسبب الخرق والا لكان التابوت التى ألقته أم موسى وهو يحمله عندما كان طفلاً أولى بالغرق ، وأن قتل الغلام بغير نفس لم يكن شراً محضاً فموسى كان قد قتل خطأً ذلك القبطي الذي أساء الى الاسرائيلي وبعدها تبين له الكثير من الحقائق ، وأنه لا جدوى من إقامة الجدار بغير أجر مع أن موسى كان قد أتم عشر سنوات في خدمة شعيب عليه السلام مع أنه سأله سبعاً فقط ، وهو تحليل منطقي ومقنع لهذه الوقائع ، ولكن لي تأمل آخر.
في قصص الخضر الثلاث كانت هناك زمان وإرادة لكل قصة ، ففي قصة السفينة كان الزمان هو الحاضر ، أي أن المساكين كانوا يعملون والملك سوف يستولى على سفينتهم في نفس الزمان ، وكانت الإرادة هنا للخضر بذاته حسب نص ألآية (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) مع أن ألأمر كله لله ولكن القرآن أوضح لنا أن الخضر نسب الإرادة لنفسه ، أما في قصة الغلام فقد كان الزمان هو المستقبل ، لأن القرآن يقول على لسان الخضر (فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) وهو أمر مستقبلي توقعه الخضر ظناً ، والملاحظ هنا أن الخشية لم تكن من الخضر وحده والضمير لوجود (نا) الدالة على الفاعلين وليست للتفخيم ، وكذلك الإرادة في قوله (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) فقد نسب الخضر الإرادة لنفسه وللضمير (نا) بنفس الحالة السابقة - إذا أردنا أن نبحث عن (نا) فذلك بحث آخر ، أما في آخر قصة وهي قصة الجدار فقد كانت عن كنز من الماضي ، ولكن الخضر نسب الارادة لله وحده بوضوح وبدون اجتهاد .
هناك من يقول أن الارادتين في قصتي السفينة والغلام كانتا للخضر تأدباً مع الله لأن الخرق والقتل أفعال سلبية ، أما الإرادة في قصة الجدار فقد كانت للبناء وهو فعل إيجابي فنسبه الخضر كله لله وربما هو كذلك ، لكن الضمائر المستخدمة والمختلفة في كل قصة ، تفتح لنا باباً لنعيد التفكير في ما اعتدنا علىسماعه من تفسير.

كالأعلام

في سورة الرحمن يقول الحق سبحانه وتعالى (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) ، وتفسيرها أن الجواري هي السفن التي تجري في البحر ، وأنها كالأعلام أي كالجبال في ضخامتها ، واليوم وعلى الرغم التقدم الكبير في قطاع المواصلات ، الا أن السفن لا زالت هي الوسيلة الأفضل والأرخص للسفر ونقل البضائع ، ولكني أرى أن هناك معنى آخر لهذه الآية وأكثر عمقا!

كنت أعمل في مدينة رأس تنورة(1) وتعرفت على أحد أبنائها الذي حكى لي بعضا من قصصها القديمة وعن علاقتها بالبحر ، ومن ضمن ما حكي لي عن "القلاف" ، وهو لقب يطلق على عدة عوائل في منطقة الخليج ، ولكن في الأصل هو لمن يعمل في صناعة السفن ، إذ يعد القلاف من أهم وأعرق المهن ، لأن معظم أهل الخليج يعملون بالتجارة والصيد والغوص للبحث عـن اللآلىء ، وهو ليس صانعا فقط بل مهندسا يضع مخططاتها وأطوالها ويختار أخشابها وحبالها ، وفي بعض الأحيان هو من يختار لها اسمها ! فمن المتعارف عليه أن كل سفينة أو يخت أو حتى قارب صغير ، يتم التعامل معها بإسم مؤنث خاص بها ، بعكس كل المواصلات الأخري. وهذا ما اكتشفته بنفسي من خلال عملي مع ناقلات البترول ، فلابد لكل ناقلة نفط من اسم علم(2) خاص بها ، بل ولا بد أن يكون هذا الاسم مؤنثا لأن كل سفينة هي جارية(3) ، فعلى الرغم من مئات أو آلاف السنين على ركوب الانسان للبحر ، فلا زالت هذه القاعدة هي المستخدمة في الأوساط الخاصة بالملاحة البحرية ، ولكن لا أحد يستطيع تعليل لذلك.

ولكن بقيي في نفسي شئ عن كلمة "المنشآت" ، والذي أظنه يدل على أمر آخر أكثر عمقا ولكنني لم أصل إليه حتى ألآن، وربما أفدتني في ذلك أنت أيها القارئ العزيز.

(1)*تعود أسباب تسمية رأس تنورة بهذا الاسم إلى أنها على شكل رأس ممتد في البحر إضافة إلى وجود دوامة بحرية أشبه ما تكون بالتنور.
(2)*الاسم العلم هو اسم معرفة يدل على مسمى محدد بذاته.
(3)*أول سفينة سميت بالجارية هي سفينة نوح عليه السلام.