كالأعلام

في سورة الرحمن يقول الحق سبحانه وتعالى (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) ، وتفسيرها أن الجواري هي السفن التي تجري في البحر ، وأنها كالأعلام أي كالجبال في ضخامتها ، واليوم وعلى الرغم التقدم الكبير في قطاع المواصلات ، الا أن السفن لا زالت هي الوسيلة الأفضل والأرخص للسفر ونقل البضائع ، ولكني أرى أن هناك معنى آخر لهذه الآية وأكثر عمقا!

كنت أعمل في مدينة رأس تنورة(1) وتعرفت على أحد أبنائها الذي حكى لي بعضا من قصصها القديمة وعن علاقتها بالبحر ، ومن ضمن ما حكي لي عن "القلاف" ، وهو لقب يطلق على عدة عوائل في منطقة الخليج ، ولكن في الأصل هو لمن يعمل في صناعة السفن ، إذ يعد القلاف من أهم وأعرق المهن ، لأن معظم أهل الخليج يعملون بالتجارة والصيد والغوص للبحث عـن اللآلىء ، وهو ليس صانعا فقط بل مهندسا يضع مخططاتها وأطوالها ويختار أخشابها وحبالها ، وفي بعض الأحيان هو من يختار لها اسمها ! فمن المتعارف عليه أن كل سفينة أو يخت أو حتى قارب صغير ، يتم التعامل معها بإسم مؤنث خاص بها ، بعكس كل المواصلات الأخري. وهذا ما اكتشفته بنفسي من خلال عملي مع ناقلات البترول ، فلابد لكل ناقلة نفط من اسم علم(2) خاص بها ، بل ولا بد أن يكون هذا الاسم مؤنثا لأن كل سفينة هي جارية(3) ، فعلى الرغم من مئات أو آلاف السنين على ركوب الانسان للبحر ، فلا زالت هذه القاعدة هي المستخدمة في الأوساط الخاصة بالملاحة البحرية ، ولكن لا أحد يستطيع تعليل لذلك.

ولكن بقيي في نفسي شئ عن كلمة "المنشآت" ، والذي أظنه يدل على أمر آخر أكثر عمقا ولكنني لم أصل إليه حتى ألآن، وربما أفدتني في ذلك أنت أيها القارئ العزيز.

(1)*تعود أسباب تسمية رأس تنورة بهذا الاسم إلى أنها على شكل رأس ممتد في البحر إضافة إلى وجود دوامة بحرية أشبه ما تكون بالتنور.
(2)*الاسم العلم هو اسم معرفة يدل على مسمى محدد بذاته.
(3)*أول سفينة سميت بالجارية هي سفينة نوح عليه السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق